¤ الجسد.. المرأة.. التلفزيون
عارضت الثقافة البريطانية خلال العهد الفيكتوري كشف المرأة لساقها في مكان عام، وفي النصف الأول من القرن العشرين عارضت الثقافة الأمريكية كشف المرأة لفخذها في مكان عام، وبعد الثورة النسائية والحقوق المدنية عارضت كشف المرأة لسرتها وبطنها في مكان عام!! واليوم جسد المرأة هو الأكثر عرضًا في مختلف الأوضاع فضائيًا.
وجُل مايقدم عن المرأة تلخصه عبارة واحدة: جسد يثير الغرائز لجذب أكبر عدد من الجمهور، فالمُنْتَج النهائي الذي يتناول المرأة مسخ شديد التعقيد في أفكاره بعد سطوة الإعلان، وخضعت الأدوار التي تؤديها المرأة في عالم التلفزيون إلى درجة عالية من التنميط داخل قوالب محددة نتيجة للتعامل مع المرأة بصفتها جسدًا ذا سمات محددة مرسومًا بدقة من قبل المنتجين.
¤ الحجاب في المسلسلات:
الأدوار التي تمنح للمرأة في التلفزيون، وحتى الطريقة التي تصور بها الإعلانات التلفزيونية تستغل جاذبية المرأة الجنسية، والتركيز منصب بشكل أساسي على جسدها وحياتها الجنسية، وحتى المرأة المحجبة لم تظهر إلا قليلا، وإن ظهرت فهي تظهر وكأنها منطوية على نفسها كارهة للمجتمع عضو غير فاعل، فغابت عن قصد الفتاة المتحجبة حتى مع ازدياد أعداد الفنانات المحجبات، إلا أن الأعمال الدرامية تناولت الحجاب بشكل غير واقعي وقدمت المحجبات من أجل الضرورة الدرامية، فمثلا دور الفتاة المحجبة في مسلسل: عفريت القرش، كان لفتاة ذات تعليم متوسط تعمل في أحد محلات الذهب المملوكة لرجل قبطي ترتدي حجابًا لا يشكل فارقًا كبيرًا في الشخصية، فوجوده كعدمه ولم يبرر دراميًا فهي الوحيدة التي ترتدي الحجاب في أسرتها، وهو ما يجعلنا نقف عند التفصيلات الأخرى للشخصية، فهي لا ترغب في شئ سوى الزواج من جارها الذي تحبه ويراوغها، غير مهتمة بمظهرها بعكس أختها التي تعمل مهندسة وغير محجبة.
والحجاب في الدراما جاء كنوع من الخلاص لإحدى الفتيات اللائي تعرضن للإغتصاب في مسلسل: قضية رأي عام، والتخلص من عارها بعد فقدانها لشرفها، في رسالة سعى القائمون على الإنتاج على تأكيدها: أن الحجاب حالة رهبنة نكفيها شر مواجهة الحياة بعد العثرة التي سقطت فيها!
وقُدم الحجاب على أنه بوابة نحو التطرف في مسلسل: حق مشروع، فالرغبة في الالتزام بالحجاب كلفت صاحبتها التورط في قضية أمن دولة لا ينقذها منها سوى علاقات والدها السفير، في إشارة من الجهة المنتجة إلى أن الحجاب هو أول خطوة على طريق الانزلاق نحو الإرهاب والتطرف.
وظهرت أنواع أخرى لمحجبات إبتكرن نصوصًا دينية للتجاوز على مسألة الحجاب ووضع الشعر المستعار، والتصريح الذي جاء فيه: القرآن ليس فيه نص صريح ينص على منع استخدام الشعر المستعار، كما أن السنة النبوية لا تتضمن أي حديث ينص على ذلك.
¤ صورة المرأة في الفضائيات:
وبعيدًا عن موضوع الحجاب فإن الإمتهان الشديد الذي تصوره الفضائيات العربية تجاه المرأة واضح بدقة عالية، ويمكن من خلال المتابعة للوسائل الإعلامية رصده، فالقاعدة العامة للنساء العربيات وفق منهج الفضائيات العربية يمارسن الجنس والدعارة وتجارة المخدرات والقتل، وتتنوع أشكال الخيانة بين رجل وامرأة، أو حتى بين امرأتين، ولا مانع أن تكون عارية من ملابسها في أول الليل وفي آخره تتقرب إلى الله وتنساب دموعها على ذنبها.. وكل ليلة تكرر الطريقة نفسها في رسالة لا تقل فسادًا عن الصورة مفادها أن الإيمان في القلب!! هذه الصورة للأسف في أغلب المنتج العربي الحالي.
وفي دراسة أعدتها إيناس أبو يوسف عضو لجنة الإعلام بالمجلس القومي للمرأة فقد ذكرت أن وسائل الإعلام المقروءة والمسموعة والمرئية تكرس للعنف ضد المرأة وترسم صورة ذهنية دونية لها، وحذرت كذلك من تركيز الدراما على مظاهر العنف ضد المرأة بإعتبارها أحد الأسباب الرئيسية للصراع في الأعمال الدرامية، وذكرت الباحثة في دراستها التي أجرتها خلال الفترة من أبريل 2005 حتى فبراير 2008، أن الخطاب الإعلامي يركز على العنف الأسري المعنوي أكثر من العنف الأسري الجسدي، وتمثلت قضايا العنف الأسري المعنوي في إهانة الزوج لزوجته والتعنت في الطلاق ثم قسوة أفراد الأسرة على الفتيات وسوء معاملتهن، ثم الخيانة الزوجية وتصوير المرأة كزوجة مستبدة، وأنها غالبًا هي المسؤولة الوحيدة عن الفشل الأسري، وتتردد عبارات في سياق العمل الدرامي تصب في هذا الاتجاه.
وتقول الباحثة شيرين أبو النجا بمركز دراسات المرأة بالقاهرة: لا يثيرون قضايا المرأة بل يثيرون الغرائز، ويُسخرون صورة سلبية للمرأة، ولهذا فإن الأسلوب الذي يتم من خلاله تقديم شخصية المرأة هو أسلوب عشوائي يعتمد على التسطيح والمصادفة بشكل مبالغ فيه، والأمر الخطير أن السينما تحصر المرأة في قوالب محددة لا يمكنها الفكاك منها حيث يمثل جسد المرأة أهم عنصر في الأفلام، ويتم توظيفه بشكل يجذب الجمهور كمشاهد الرقص والإغراء، أما حينما تقدم الفضائيات نموذج المرأة الفاضلة فلا نرى إلا علامات الأسى والبراءة الشديدة على وجهها، وهي أم مثالية تسعى لتنفيذ أفكارها بمنتهى الصرامة، أو بلا أفكار مطلقًا، مضحية، تبتلع الألم، والأفضل أن تكون فقيرة، وغالبًا تعاني من الظلم، وتلبس ملابس سوداء، والصمت من سماتها، وبذلك تُقدم الفضيلة بإعتبارها جاهلة بأمور الدنيا.
أما صورة المرأة القوية في الفضائيات، فهي مرتبطة بالجبروت وإنعدام القيم، فالمرأة القوية تلفزيونيًا تستمد قوتها من إباحة جسدها للرجال، ومن العلاقات الوثيقة التي تقيمها مع أصحاب النفوذ، وبذلك يتم ترويج صورة المرأة القوية تحت غطاء الفساد الأخلاقي والخروج عن الدين والتقاليد والأعراف.
أما المرأة في الإعلانات فحدث ولا حرج فهي كائن قابل للبيع والشراء، وجسد غض فاتن مطلوب إظهار مفاتنه، وغالبًا ما تكون قليلة الحيلة تنتظر مكافأة من الرجل الأمر الذي يُعرض المرأة إلى مختلف أشكال الإمتهان والسوقية، ولهذا تلتقط عدسة المخرج ما يشاء أن تلتقط وكما يحلو له، ويصبح حتى المنتَج والنص إستثنائيًا في حضرة الأجساد التي تحولت بسبب الصندوق الأسود إلى ملهى ليلي.
المرأة حاضرة كطرف مهم ورئيس في الإعلام ومشاركة بوعيها أو دون وعيها في نقل الإباحية والشذوذ واللاأخلاقية تحت لافتات الأمم المتحدة، مستندة إلى شعارات خادعة براقة مقل حماية الأسرة، ولكن الهدف هو تعليم الجنس للجيل الشاب، وإعطائه فكرة وجرعة عن طبيعة العلاقات الجنسية وطرقها وأساليب الشذوذ بدعوى توفير نصائح لعدم الوقوع في الأمراض الجنسية.
من كتاب: الفضائيات الصفراء.. عرض الأجساد وإمتهان الأفكار.
المصدر: موقع رسالة المرأة.